الإسلوب المتميز في الكتابة
الإسلوب المتميز فى الكتابة
الكتابة من المواهب التي تحتاج إلى تنميتها بالدراسة والقراءة واستمرارية الكتابة، وكثيرون يملِكون هذه الموهبةَ الجميلة، ولكن لا يُعطونها حقَّها؛ فتضيع أقلامهم بين الأقلام؛ لعدم تميُّز أسلوبهم،
ولعدم انفرادهم بأسلوب يَجذِب القراء، فمثلاً الساحة الأدبية مكتظَّة بقَصص الخيال العلمي لكُتَّاب شباب، ولكنها لم تنجح كما نجحت أعمال الدكتور نبيل فاروق على سبيل المثال، والسبب ببساطة هو أن الكاتب لم يهتم بأن يكون له أسلوبه الفريد الذي لا يُشبِه في عباراته وتشبيهاته وسرْدِه أحدًا، فمثلاً نجد “رجل المستحيل” في قصة أحد الشباب هو “قاهر الصعاب”، وبعض العبارات تكاد تكون مقتَبَسة، ولولا إدراكنا لحُسْن نية الكاتب،
لقلنا: إنها مسروقة، فيشعر القارئ أنه يقرأ عملاً منسوخًا ممسوخًا في إطار قالَب مكرَّر؛ فيبدو الأسلوب مملاًّ؛ فيَنفُر منه القارئ.
فكيف يكون للكاتب أسلوبٌ مميَّز في الكتابة؟
أولاً: أن يُنوِّع قراءاته، وأن يقرأ لأكثر من كاتب، فلا شك أن كلاًّ منا له كاتب مفضَّل يحب قراءة كتبه، ولكن يجب على الكاتب أن يُنوِّع ما يقرؤه؛ حتى لا يكون نسخة غير مقبولة من أحد الكتَّاب، فكثيرون يَقعون في فخّ الاقتباس غير المقصود، فلا تظن أبدًا أن تعبيرًا استخدَمَه غيرُك سيُزيِّن عملَك الأدبي، بل سيعطي القارئَ انطباعًا بأن هذا الكاتب فقير الموهبة، لا يُمكنه الإبداع؛ فيلجأ للاقتباس كثيرًا، ولا بد أن تكون الصورة التي بداخلك لها عبارات نابعة من ذاتك، فأنت تراها كما شئتَ وترسُمها بالكلمات، فإن رآها القارئ من خلال كلماتك، فقد نجحت في توصيل رسالتك، فمثلاً لما رأى نجيب محفوظ طفلاً يبيعُ الحلوى عند إشارة المرور، تَرجَم الصورة إلى كلمات فكتب “وأحلامُ الأطفالِ قطعةُ حلوى، وهذا طفلٌ يبيع حُلمه”.
ثانيًا: أن يخرج من الحلقة الضيقة التي يَحصر موهبتَه فيها، فإن كان يكتب شعرًا فليُجرِّب النثر والخواطر، وبهذا هو يُطلِق العَنان لمخيلته؛ ليتَّسع خياله، وليغوص في بحورٍ تُزحزِحه من القالب الذي يَحبِس موهبته فيه، ويكون هذا على سبيل المِران.
ثالثًا: الاستمراريَّة ولو حتى بسطرين في اليوم، وكانت تلك نصيحة الإعلامي د. ناصر الشافعي؛ إذ إنه يرى أن الكتابة موهبة تحتاج إلى الممارسة كالرياضة، وأن الكاتب عليه ألا يَهجُرَها كيلا تهجرَه.
رابعًا: الإلمام بأساسيات اللغة والنحو؛ فالأخطاء النَّحْوية واللغوية تَصرِف بالَ القارئ عن النص، وبالتالي تُفقِده الاستمتاعَ بالمادة المكتوبة.
خامسًا: الكتابة من أجل متعة الكتابة وحسب، لا تكتب إلا إن شعرت أن بداخلك رسالة تريد أن تُوصلها، فقط حين تشعر أن الكلمات تتراصُّ بداخلك، ويدك تبحث عن قلم، فلا تكن كهؤلاء الذين يبحثون عن الكم وليس الكيف، فربما عمل أدبي واحد يبقى ويُخلِّد اسمَ كاتبه، مثل قصيدة “أنا وليلى” للشاعر العراقي حسن المرواني، الذي لم يَنشر ديوانًا ولا كتابًا، وبقيت قصيدته الوحيدة التي قال عنها النقاد: “قصيدة عاشت ومات كاتبها”.
سادسًا: لا تأخذ في الحُسبان النقاد ولا تتجاهَلهم؛ حتى تتخلَّص من قولَبة الأعمال الأدبية، فاكتب الصورة التي تراها كما تراها، ولكن لا تنسَ الأساسيات والعناصر الرئيسية لكل عمل أدبي.
سابعًا: الوسطية بين الإمتاع والإقناع، فلو ركَّز الكاتب على الإمتاع دون إقناع القارئ، فسيَمَل القارئ من العمل، والعكس صحيح تمامًا، فمثلاً بعض القَصص الاجتماعية الواقعية مقنِعة تمامًا، ولكن لا متعة فيها حين تَسرُد أحداثًا كلاسيكية مُكرَّرة، يطغى فيها عنصر الإقناع على عنصر الإمتاع؛ فيصيب القارئَ المَلَلُ.
ثامنًا: التمسك بالفصحى في الكتابة؛ فهي الباقية والثابتة، وما دونها يتغيَّر.
……………
هيثم النوبي-الألوكة