لقاءي معكم اليوم مع بقعة على أرض الله دوّت بالتوحيد طوال حياتها قديماً ومبدأها الإسلام ، ومازالت متمسكة به ؛ إلا أنها مضطهدة محتلة معتم عليها إعلامياً مهان بها الإسلام والمسلمون لا يحصلون على حريتهم التعبدية والمعيشية .
إنها : تركستان الشرقية
جغرافية تركستان الشرقية
تقع تركستان الشرقية في وسط آسيا الوسطى، ويحدها من الغرب الدول الإسلامية التي كانت تمثل تركستان الغربية،
وهي ( كازخستان،وطاجكستان وأوزبكستان) ، ومن الجنوب( باكستان والهند والتبت) ، ومن الشرق ( الصين) ، ومن الشمال (منغوليا وروسيا) ، ويطلق المسلمون اسم تركستان (أرض الترك) على المناطق الواقعة في شمال ما وراء النهر ، وبالأخص على تركستان الشرقية.
وتشغل تركستان الشرقية مساحة شاسعة، ومترامية الأطراف أكبر من مساحة إيران، إذ تبلغ نحو مليون و850 ألف كم مربع. أي خُمس مساحة الصين، وهي تعد في الوقت الحاضر أكبر أقاليم الصين، التي احتلتها وضمتها إليها بالقوة عام 1881.
الاقتصاد وكنوز تركستان والمطمع فيها
تزخر أراضي تركستان الشرقية في الوقت الحاضر بالثروات المعدنية والطبيعية ،إذ تحوي في باطنها 121 نوعا من المعادن، فهناك 56 منجما من الذهب وهناك النفط واليورانيوم والحديدوالرصاص، كما أن هناك مخزنا طبيعيا للملح يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة حسب إحصائيات أخيرة، هذا بالإضافة إلى الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية، حيث بلغت أنواع الحيوانات 44 نوعا.
أرض تركستان ليست بالأرض القليلة؛ فمساحتها 1.6 مليون كيلو متر مربع أي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وكذلك ثلاثة أضعاف العراق، وستين ضعف دولة فلسطين! وهي تمثل 17% من مساحة الصين الإجمالية؛ فالصين لن تتنازل بسهولة عن جزءٍ يمثِّل أكثر من سُدسها.
الكثافة السكانية بدولة التركستان الشرقية قليلة جدًّا، فبعد كل التهجير الذي تقوم به الصين إلى التركستان فإنّ مجموع سكان التركستان في إحصاء 2008م يبلغ 20 مليون فرد، وهذا يعطي كثافة سكانية قدرها 12.5 فرد في كل كيلو متر مربع، بينما الكثافة السكانية في الصين نفسها عالية جدًّا تصل إلى 165 فردًا في كل كيلو متر مربع، حيث بلغ تعداد الصين في سنة 2008م إلى أكثر من 1.3 مليار فرد، فضلاً عن أن الصين تحتل إقليم التبت كذلك، والذي تبلغ مساحته 1.2 مليون كم مربع، ويسكنه ثلاثة ملايين فقط، فإذا أخرجناه من المعادلة صارت كثافة السكان في الصين الأصلية أكثر من 193 فرد في الكيلو متر المربع الواحد، وهي كثافة ضخمة؛ وهذا يدفع الصين للتمسك بإقليم التركستان الشرقية لترفع الضغط السكاني عن بلادها، خاصةً مع اعتبار دفء الطقس في التركستان خلافًا للبرودة القارسة في إقليم التبت المحتل كذلك، وهذا ما تقوم به الصين فعلاً في الثلاثين سنة الأخيرة.
رزق الله عزوجل إقليم التركستان الشرقية ثروات ضخمة جدًّا من البترول والغاز والفحم، وهي تمثِّل بذلك قاعدة طاقة في غاية الأهمية بالنسبة للصين، وهي الآن ثاني منتج للنفط في الصين؛ حيث تنتج 27.4 مليون طن سنويًّا، وتأتي بعد إقليم "هيلونجيانج" في شمال شرق الصين والذي ينتج 40.2 مليون طن، ومع ذلك فهي الآن بعد ارتفاع انتاجها النفطي المنتج الأول للنفط في الصين، حيث وصل إنتاجها إلى 60 مليون طن سنويًّا، أما في سنة 2020م فيتوقع الخبراء أن يصل إنتاجها إلى 100 مليون طن سنويًّا، لتصبح لها مكانة عالمية، علمًا بأن احتياطي النفط بالتركستان يبلغ 8.2 مليار طن!! أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن الاحتياطي التركستاني هائل، ويبلغ 10.8 تريليون متر مكعب، وكذلك بالنسبة للفحم، حيث يبلغ الاحتياطي منه 2.19 تريليون طن، وهو يمثِّل 40% من إنتاج الصين بكاملها، فضلاً عن أنه يتميز بكثرة أنواعه، وجودته الفائقة، وفي مشروع الصين أن تحوِّل هذا الفحم إلى قاعدة ضخمة لإنتاج الكهرباء.
مع كل هذا الإنتاج الضخم من البترول والغاز الطبيعي فإنه لا يكفي دولة صناعية مثل الصين، حيث تأتي الصين في المرتبة الثانية مباشرة بعد أمريكا في استهلاك الطاقة؛ ولذلك فإن الصين تعتمد بشكل أساسي على البترول القادم لها من دول وسط آسيا في منطقة القوقاز، وقَدَر التركستان الشرقية أن أنابيب نقل البترول تمر بكاملها في أراضيها! وبالتالي فسيطرة الصين على التركستان يمثِّل بُعدًا استراتيجيًّا خطيرًا، حيث يمكن للحركة الصناعية أن تُشلَّ إذا ما تعرضت هذه الأنابيب للخطر.
تمثِّل التركستان كذلك مخزونًا استراتيجيًّا لما هو أغلى من البترول والفحم!! فالتركستان غنية بمناجم اليورانيوم اللازم للصناعات النووية، وبها ستة مناجم تنتج أجود أنواع اليورانيوم؛ ولهذا فهي مؤهَّلة لأن تكون دولة نووية إذا انفصلت عن الصين، خاصةً أن لها علاقاتٍ حدودية مع روسيا، التي قد تقف إلى جوارها في مشروعها النوويّ مثلما تفعل مع إيران؛ وذلك لإحداث توازن في المنطقة مع الوحش الصيني. وليس البترول والغاز والفحم واليورانيوم فقط هي الثروات الوحيدة التي تنتجها أرض التركستان، بل إن بها الكثير من المعادن الأخرى، يأتي في مقدمتها الذهب!!
توجد في أرض التركستان مساحة شاسعة من الأرض الصحراوية تستخدمها الصين في إجراء تجاربها النووية العديدة وهي ، والصين بلا جدال دولة نووية من الطراز الأول؛ ولذلك فهي تحتاج إلى مثل هذه المساحة لاستمرار التجارب، وهي أرخص كثيرًا من الخوض إلى أعماق البحار لإجراء التجارب، كما أن الشعب الذي قد يتأثر سلبًا من التجارب النووية شعب مسلم لا تجد الصين غضاضة في إلحاق الأذى به! ولنفس السبب أيضًا فإن الصين تحتفظ بمعظم صواريخها الباليستية النووية في هذه المنطقة؛ مما يرفع من قيمتها الاستراتيجية.
من الناحية الزراعية تمتلك التركستان مساحات زراعية شاسعة، وهي من أجود الأراضي في الصين، وبالتركستان أكبر نهر داخلي في الصين، وهو نهر تاريم، كما أن بها أكبر بحيرة عذبة في الصين، وهي بحيرة بوستينغ. وتتمتع التركستان بجو دافئ مشمس طوال العام تقريبًا، وهذا يؤهِّلها لإنتاج زراعي متميز، وهي من أكثر المناطق المصدرة للمنتجات الزراعية داخل وخارج الصين، وهي أكبر قاعدة لإنتاج القطن في الصين، ويتميز قطن التركستان بجودة فائقة، وهو القطن الطويل التيلة. كما تنتج التركستان أفخر أنواع العنب والبطيخ الأصفر، وإضافةً إلى ذلك تنتج التركستان الذرة الشامية والأرز والتفاح والكُمَّثْرى والمشمش والكَرَز، وعددًا كبيرًا من الخضروات المتميزة.
تمثل التركستان بحدودها الواسعة، التي تبلغ أكثر من 5600 كيلو متر أهمية استراتيجية قصوى للصين، فهي تجاور 8 دول آسيوية، يمثِّل كلٌّ منها مشكلةً بالنسبة للصين؛ فمن الغرب يحدّها خمس دول إسلامية هي كازاخستان وطاجكستان وأفغانستان وباكستان، وهي دول تمثِّل خطرًا داهمًا على الصين من حيث إنها تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين، ومنهم الكثير من الذين يُطلقِون عليهم ويوصمونهم بـ "إرهابيين"، ومِن ثَم تعتبر الصين أنّ إقليم التركستان الشرقية عبارة عن حائط صدٍّ يمنع دخول الإرهابيين إلى الصين الأصلية. كما تجاور التركستان الشرقية دولتيْن خطيرتين على الصين لأنهما من الدول النووية، وهما روسيا والهند، وهذا أيضًا يفسِّر تركُّز الصواريخ الباليستية في منطقة التركستان. وأما الدولة الحدودية الثامنة فهي منغوليا، ومشاكلها مع الصين قديمة، وتبادل الاحتلال بين الدولتيْن أمر تاريخي مشهور، ولم تبنِ الصين سورها العظيم إلا للحماية من منغوليا.. ولهذه الحدود الملتهبة يصعب جدًّا على الصين التنازل عن دولة التركستان الشرقية.
الإسلام في تركستان :
يقدر لمسلمون الآن في تركستان بحوالي 90%
كانت بداية وصول الإسلام إلى تركستان- بصفة عامة- في خلافة “عثمان بن عفان” (رضي الله عنه) على يد الصحابي الجليل “الحكم بن عمرو الغفاري”، بيد أن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان” على يد قائده الباسل “قتيبة بن مسلم الباهلي” الذي تمكّن في الفترة من (83- 94هـ = 702- 712م) من السيطرة على ربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها، ثم دانت لحكم العباسيين بعد سقوط الخلافة الأموية. وفي فترات ضعف الخلافة العباسية قامت في المنطقة مجموعة من الدول المستقلة، ثم حكمها المغول بعد قضاء “جنكيز خان” على الدولة الخوارزمية سنة (628هـ = 1231م).
وقد عرفت تركستان الشرقية الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يحملون بضائعهم ومعها الإسلام إلى أي مكان يسافرون إليه، فقد كان طريق تجارتهم ودعوتهم طريقا واحدًا، فتوثقت العلاقات التجارية بين العرب والصين، وحصل بعض التجار المسلمين على ألقاب صينية رفيعة.
وتشجيعًا للتجارة التي كانت مقصورة على المسلمين في عهد “أسرة سونج” في القرن العاشر الميلادي- سنّت هذه الدولة قانونًا يقضي بعقاب كل من يسيء إلى التجار الأجانب؛ لذا وجدت جاليات إسلامية كبيرة في عدد من المدن، بالإضافة إلى وحدود بذور إسلامية في الصين عندما تعرض الإمبراطور الصيني “سو” لثورة وتمرد، فاستغاث بالخليفة العباسي “أبو جعفر المنصور” سنة (139هـ = 756م) فأرسل إليه أربعة آلاف جندي مسلم، وقد نجح الإمبراطور بمساعدتهم في القضاء على التمرد واستعادة عرشه، الأمر الذي أدى إلى استبقاء الإمبراطور لهؤلاء الجنود؛ فتزوجوا من صينيات، وأسهموا في غرس بذور الإسلام في البلد البعيد، وتشير بعض السجلات الصينية إلى أن الحكومة الصينية كانت تدفع بعض الأموال السنوية لأسر هؤلاء الجنود.
وتوطد الإسلام في تركستان الشرقية، سنة (322هـ = 934م)، بعدما اعتنق الخان “ستاتول بوجرا”، الذي أصبح حاكمًا للإقليم الإسلام، وأسلم لإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح شرق تركستان مركزًا رئيسيًا من مراكز الإسلام في آسيا.
احتلال الصين ونفوذها على تركستان الشرقية :
دائماً الصين تتصف بالمطمع الاستعماري ومحاولة طمس الهوية الإسلامية ..
كان الاحتلال الصيني لتركستان أكبر كارثة حلت بتركستان، وقد احتل الصينيون تركستان الشرقية في 1174 هجرية، 1760م، ويُقدر عدد المسلمين الذين قُتِلوا آنذاك بمليون مسلم، ويروي محمد إركن، في كتابه (اضطهاد المسلمين التركمان في تركستان الشرقية): "لقد ألغى الشيوعيون الكتابة بالعربية التي كان المسلمون يستخدمونها لمدة ألف عام، وأتلفوا 730 ألف كتاب بالعربية، بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم، وذلك تحت شعارات لا يزال يروج لها البعض في ديار المسلمين حتى هذه الأيام، وهي محاربة مخلفات الماضي، أو القطع مع الماضي، أو تجفيف الينابيع، أو التقدمية، أو اللحاق بركب الدول المتقدمة، وغيرها من العناوين الخداعة التي لم تُخرج الأمة من التخلف، ولم تُفْضِ إلى أي تقدم تكنولوجي أو سياسي أو ثقافي أو اقتصادي، وإنما زيادة التبعية للغرب، وتحويل المجتمعات إلى سوق لخردته، وترديد مفاهيمه للحياة وتمثلها.، مما زاد مجتمعاتنا رهقًا على رهق. وصادر الاحتلال الصيني أراضي المسلمين تحت شعار "الإصلاح الزراعي"، وها هو يوزعها منذ عقود على مراحل، على المستوطنين الصينيين الذين يدفع بهم كالقطعان إلى تركستان، وأغلق الاحتلال الصيني الكتاتيب الملحقة بالمساجد، وأغلق 29 ألف مسجد، وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم للمدارس التي تركز على الإلحاد وتكفير المسلمين، على الطريقة الإلحادية. وقضوا على الأوقاف بمصادرتها، والتي كانت توفر أكثر من 20 في المائة من لوازم التعليم، وتم اعتقال 54 ألف إمام، تعرضوا داخل المعسكرات الصينية للتعذيب والأشغال الشاقة، وتنظيف المجاري وتربية الخنازير. وقد ثار المسلمون في تركستان الشرقية ضد الاحتلال الصيني في عام 1241 هجرية 1825م لمدة عامين، حيث كان العالم الإسلامي غارقًا في مشاكله مع الاحتلال الغربي، كما نظم المسلمون ثورات أخرى، منها ثورة 1272 هجرية، 1855م، واستمرت 20 عامًا، بقيادة يعقوب بك، تمخضت عن نيل تركستان الاستقلال في 1282 هجرية 1865م. ولم تعترف الدول الكبرى ولا أية دولة أخرى باستقلال تركستان؛ مما شجع الصين على غزوها واحتلالها مرة أخرى في 1292 هجرية، 1875م، وفي 1350 هجرية 1931م ثار المسلمون مجددًا ضد الاحتلال الصيني، واستعان الصينيون بالروس؛ لإخماد ثورة المسلمين، وفي 21 رجب 1352 هجرية، الموافق لـ12 نوفمبر 1933م أعلن المسلمون قيام "الجمهورية الإسلامية في تركستان الشرقية"، وقد اختير "خوجا نياز" رئيسًا للدولة، لكن التحالف الصيني الروسي أجهض تلك الدولة الوليدة في 6 جمادى الآخرة 1356 هجرية الموافق لـ15 أغسطس 1937م. وهو ما تكرر في مناسبة أخرى بقيادة علم الدين علي خان، وفي 1366 هجرية، 1946م حصلت تركستان الشرقية على الحكم الذاتي، لكن صعود الشيوعيين للحكم أعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر، وفيما بين 1950م و1972م أعدمت سلطات الاحتلال الصينية 360 ألف مسلم، وعلى إثرها هاجر أكثر من 100 ألف مسلم إلى الدول المجاورة، وقد زادت حدة الاستيطان في تسعينات القرن الماضي، كما تقوم الصين بإجراء تجاربها النووية في تركستان الشرقية، وقد أجرت أكثر من 48 تجربة أدت إلى تلويث البيئة، وإصابة مئات الآلاف بأمراض وبائية.
وزادت قبضة الاحتلال في عام 1949م، والسبب الرئيسي للاحتلال الصيني هو الطمع فيما تمتلكه تركستان الشرقية من ثروات طبيعية ضخمة، فهي تمتلك احتياطي نفطي ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رصيد ضخم من أجود أنواع اليورانيوم في العالم..بدأت الصين احتلالها للبلاد بمذابح رهيبة، ثم عملت على استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية احتلال استيطاني واسعة، وذلك للتقليل من عدد أهل البلاد المسلمين، ثم ألغى الصينيون الملكية الفردية، واسترقوا الشعب المسلم، وأعلنوا رسميًا أن الإسلام خارج على القانون ويعاقب كل من اعتنقه، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، كما اتخذوا من المساجد أندية ومقاهي لجنود الاحتلال، وألغوا تدريس اللغة التركية والتاريخ الإسلامي من المدارس والمعاهد العليا واستبدلوها بتاريخ الصين واللغة الصينية وتعاليم ماوتسي تونج، وأصبح المسلمون مجبرين على التزاوج مع الصينيين والعامل المسلم مجبر على العمل 18 ساعة يوميًا في ظروف قاسية ..وقامت الصين بتقسيم تركستان الشرقية ، وغيرت اسمه إلى إقليم سيكيانج، وعندما ثار الشعب التركستاني المسلم استخدمت الصين أبشع الوسائل لقمعه، ونكلت بالمعارضين وقتلتهم، حتى بلغ عدد القتلى من المعارضين المدنيين 100.000 مسلم، وذلك فقط فيما بين عامي 1949- 1953م، كما قامت الحكومة الصينية بقتل 75.000 آخرين في عام 1966م، ورغم كل هذا العناد والتجبر الصيني مازال الشعب التركستاني المسلم يجاهد للحصول على حقه .
يُعد الاستيطان أشد أنواع الاحتلال خطرًا ـ ليس على هوية وثقافة الأمة المنكوبة فقط ـ وإنما على بقائهم البيولوجي، والجيوسياسي بالدرجة الأولى، لاسيما في ظل سياسة تهجير واستيطان متواصلة. وقد بدأت الصين سياسة نقل المستوطنين إلى تركستان الشرقية، بعد وصول الشيوعيين إلى السلطة سنة 1949م، ويقدر عددهم حاليًا بأكثر من 7 ملايين مستوطن صيني، ولم يتحرك العالم لمساعدة المسلمين في تركستان، كما فعل وبحماسة شديدة مع تيمور الشرقية، ويسعى لذلك في أندونيسيا المسلمة آتشي، وفي السودان العربية المسلمة دارفور، والصحراء المغربية "الصحراء الغربية"، وهناك مخططات لتقسيم البلاد العربية والإسلامية أيضًا؛ مثل العراق وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، والجزائر وباكستان وأفغانستان وغيرها. ولا أحد داخل الأمم المتحدة أو الغرب يتحدث عن استفتاء في تركستان الشرقية، التي تحيط قضيتها جميع أنواع التعتيم، وتواجه صرخات أهلها بصمت مريب. ويشعر الشعب التركستاني بالغبن والاضطهاد من قِبل السلطات الصينية والمستوطينين الصينيين، الذين يحصلون على الامتيازات والدعم المتواصل، بينما لا يلقى أهل الأرض سوى التجاهل والإمعان في إفقارهم، وقد ساهم المستوطنون الصينيون في قمع ثورة بارين، عام 1990م، وحادثة 7 يوليو 1995م، وثورة غولجا عام 1997م. ويسعى المسلمون في تركستان الشرقية، لنقل قضيتهم للمحافل الدولية، والتعريف بمظلمتهم التاريخية، ولاسيما قضية المستوطنين، وتقرير المصير.
حصلت تركستان الشرقية على الاستقلال الذاتي سنة (1366 هـ/1946م)، وتم تعيين "مسعود صبري" رئيسًا للحكومة، فاتبعت الحكومة الوطنية الجديدة سياسة حازمة لإضفاء الصفة الوطنية على كل المؤسسات، وقد استطاع المسلمون في تركستان الشرقية أن ينظموا أنفسهم أثناء الحرب العالمية الثانية، فأنشأوا مطبعة وعددا من المدارس، وأصدروا مجلة شهرية باللغة التركية، وبعد انتهاء هذه الحرب اجتاحت القوات الصينية الشيوعية هذه المنطقة سنة (1368 هـ = 1949م)، بعد قتال عنيف متواصل مع المسلمين، استمر في بعض المعارك عشرين يوما متواصلة. وكان عدد المسلمين بتركستان الشرقية عندما سيطر الشيوعيون عليها حوالي 2.3 مليون مسلم، وعدد المساجد يزيد على الألفي مسجد، وقد بدأ الشيوعيون منذ احتلالهم بارتكاب مذابح رهيبة، أعقبها استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية احتلال استيطاني واسعة؛ وذلك للتقليل من عدد أهل البلاد المسلمين، وألغى الصينيون الملكية الفردية، واسترقوا الشعب المسلم، وأعلنوا رسميًا أن الإسلام خارج على القانون، ويعاقب كل من يعمل به، ومنعوا خروج التركستانيين الشرقيين خارج البلاد، كما منعوا دخول أي أجنبي إليهم، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم، وغيروا الأبجدية الوطنية بحروف أجنبية، وجعلوا اللغة الصينية اللغة الرسمية، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي تعاليم "ماو تسي تونج"، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين، ولم يتوقف هذا الحقد الأسود الدفين تجاه المسلمين الذين تعرضوا لجهود دولة كبرى لاسترقاقهم وطمس الإيمان في قلوبهم، ولما قامت الثورة الثقافية في الصين زاد الأمر سوءا، وزادت حدة اضطهاد المسلمين، وكان ضمن شعارات الثورة: "ألغوا تعاليم القرآن". ورغم هذا الكبت والاضطهاد فقد استمرت ثورات المسلمين العنيفة التي تعمل الصين على إخفاء أبنائها عن العالم، ومنها ثورة (1386 هـ = 1966م) في مدينة "قشغر"، التي حاول فيها المسلمون أداء صلاة عيد الأضحى داخل أحد المساجد، فاعترضتهم القوات الصينية وارتكبت في حقهم مذبحة بشعة، وانتشرت الثورة في الإقليم، وقام المسلمون بحرب عصابات ضد الصينيين، واستشهد في هذه الثورة- خلال أحد شهورها- حوالي 75 ألف شهيد.
في يوم 1 أكتوبر من عام 1949 أعلن زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وضم منطقة تركستان الشرقية للجمهورية الوليدة بالقوة وأطلق عليها الاسم الصيني ” شنغيانغ .”
ومنذ ذلك الوقت تعمل الصين على طمس كافة المظاهر الإسلامية في تركستان الشرقية تمهيدا لإذابة أبنائها في بوتقة المجتمع الصيني وهذا ما يفسر انتشار محال بيع الخمور وأماكن اللهو والنوادي الليلية التي يديرها ويرتادها أبناء قومية الهان.
أبرز مجازر الصين ضد مسلمي تركستان :
مجزرة كاشغر عام 1966 قتل فيها أكثر من خمس وسبعين ألف قتيل من المسلمين. نفذت القوات الصينية المجزرة أثناء استقبال المسلمين لشهر رمضان.
مذبحة مسجد خان أريق بمدينة خوتان بتاريخ 28 يونيو 2013 سقط خلالها 200 مسلم.
مذبحة مدينة أقسو بتاريخ 14 فبراير 2014 قتل فيها 11 مسلما على يد القوات الصينية بتهمة محاولة الهجوم على الشرطة دون تقديم أدلة.
مجزرة خوتن ناحية وقعت في 2014 وقتل فيها أكثر من 5500 قتيل.
مجزرة يلكيكي وقعت في 20 آب 2013 وراح ضحيتها 26 مسلم حسب التصريح الحكومي.
مجزرة بارين حدثت عام 1990 راح ضحيتها المئات من المدنيين المسلمين حسب الناشطين وستين مسلم حسب الحكومة الصينية.
وتبقى آلام تركستان الشرقية المسلمة من الصين الشيوعية قابعة خلف الخفاء وما يحدث بداخلها ، وعلى أحرار العالم كسر الحصار المفروض على تركستان، إعلاميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، فهناك يتعرضون لإبادة ثقافية ولغوية واقتصادية وعلى كل الأصعدة.