إعداد الخطبة نصائح وإرشادات
إعـــداد الخطبـــة
نصــــــــائــــــح وإرشـــــــــــــادات
وهكذا فإنه يسر وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية، أن تضع بين يدي السادة الدعاة والخطباء وأئمة المساجد هذا السفر النفيس الذي اعده نخبة من العلماء المختصين رغبة في توفير المادة العلمية اللازمة للخطابة والتدريس على مدى العام، مراعية في ذلك بساطة اللفظ وسهولة العبارة ودقة المعلومة وتخريج الأحاديث، مع حرص في تناول المواضيع على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والاستفادة من العلوم الحديثة، والشواهد الحضارية التي تدعم الفكرة، وتقوي الاستدلال، وتلزم بالحجة، وقد روعي في كل ذلك التركيز على أحداث السيرة الشريفة والاستفادة من العبر والدروس العظيمة المبثوثة فيها، مثلما لوحظت المناسبات التاريخية والأحوال الحاضرة للأمة الاسلامية، وسبل اصلاح هذا الحاضر من قبسات ماضينا المشرق.
ولقد كان من دواعي السرور والاعتزاز ان هذه الوزارة منذ نشأتها وهي تتشرف بخدمة الكلمة الطيبة، لم تلجأ الى تقييد حرية المنبر، أو ممارسة أية وسيلة لفرض رأيها أو رؤيتها على احد من السادة الخطباء والأئمة، وانما كانت دائماً المناصحة والمذاكرة، وكان التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولقد كان لنا من وعي خطبائها وادراكهم للظروف ومعرفتهم بالأحوال ما يعيننا على المضي في هذا السبيل اطلاقاً لحرية الكلمة ورغبة في الاستفادة من فكرة نيرة وعبارة لطيفة وتحليل سديد ورأي رشيد.
أما المحددات التي ننصح الأخوة الوعاظ والخطباء، بالتزامها في خطبهم ودروسهم فهي لا تعدو الأطر العامة التي تضعها شريعتنا السمحة لأسلوب الدعوة، وهي ان تكون دعوتنا بالحكمة والموعظة الحسنة، وبيان محاسن الشريعة والابتعاد عن التيئيس وجلد الذات والاتهام والتجريح.
وبهذه المناسبة فإنه لا بد من التذكير بطريقة تحضير الخطبة والدرس لكي تؤتي الخطبة أكلها وتخرج عن النمط التقليدي الذي لا يغدو كونه تسديد خانة، فمن ذلك: تحديد هدف الخطبة، واختيار الموضوع وجمع المادة العلمية باختيار الآيات المناسبة، والاطلاع على تفسيرها، والأحاديث الشريفة، وتخريجها ومعرفة أقوال اهل الفقه في ذلك، ثم التأكيد على تحقيق الهدف بالأمثلة، والحكم والاشعار، والاستعانة بكتب السير والتاريخ والتراجم، وكتب الثقافة العامة ذات الصلة، ثم تنسيق المعلومات والتأليف بينها والخلوص من ذلك الى النتيجة المطلوبة.
وهنا لا بد من القول بأن الخطبة الفعالة هي التي تؤثر في نفس السامع وتدفعه نحو الاستجابة لمطالب الخطيب وتشد قلبه وعقله للتوجه اليها والاستفادة منها.
و من أسباب الفاعلية والتأثير:
أولاً، العوامل الخارجية:
ونقصد بها تلك العوامل التي لا تتعلق بالخطبة نفسها، ولكنها خارجة عنها وان كانت ذات صلة وثيقة بها، ومن ذلك ما يلي:
1- خلفية الخطيب وسيرته:
حيث ان هذه الخلفية تشكل اطاراً مرجعياً عند السامع، يحكم من خلاله على هذه الخطبة لذلك يحسن بالخطيب ان يكون ودوداً وصولاً مبادراً محباً للعلم واهله مكرماً لإخوانه باراً بوالديه وجيرانه يتحرى الحلال ولا يخالف قوله فعله، غير مداهن ولا متملق وان يكون مخلصاً بعيداً عن النفاق واهله.. الى غير ذلك من الصفات الطيبة التي تجعله قدوة طيبة صالحة.
2- السمت والمظهر:
ويكون ذلك باللباس النظيف الواسع الذي ليس فيه ما يستغرب او يستهجن او يشغل بال المستمعين وكلما كان اللباس قريباً من السنة كلما كان ذلك اكثر فاعلية وتأثيراً في نفس السامع.
3- الصوت:
فكلما كان الصوت مناسباً وعلى قدر الحاجة بحيث يصل الى جميع السامعين من غير تشويش او تقطيع وبما يتناسب مع طبيعة الموضوع وسياق الحديث كلما كان ذلك ادعى لجمع طاقات المستمع على هدف الخطبة.
4- التكييف والتبريد والتهوية:
فالمستمع الذي يشعر بالبرد او بشدة الحر، وكذلك المستمع الذي يستنشق الهواء الفاسد اثناء الخطبة لا شك انه سيفقد الكثير من تأثير الخطبة لانشغاله بعوامل اخرى غيرها.
5- نظافة المكان:
فالمسجد النظيف في ساحاته واروقته وفراشه وجدرانه وأثاثه كل ذلك يعطي السامع راحة نفسية لها اثرها في حسن الفهم وقوة الاستيعاب لما يقوله الخطيب.
6- مدى الاتصال بين المتكلم والسامع:
حيث ان الاتصال كلما كان اوثق واقرب كلما كان ذلك ادعى للتأثر، وتناسب حركات اليد مع الكلمة، وتوزيع نظرات الخطيب نحو المستمعين وكذا اختيار الموضوع المناسب فإنه يشد انتباه المصلين مع الخطيب.
7- الحالة النفسية للخطيب:
حيث يحسن بالخطيب ان يكون عند الخطبة هادئ النفس مطمئن القلب متوجهاً الى الله تعالى غير مشغول بما يصرفه عما هو بصدده من امر الخطبة، ويحسن به ان يكون باسم الوجه مستبشراً، فالوجه العابس المكفهر المتوتر والجبين المقطب كل ذلك من اسباب النفرة واليأس من الخطبة.
8- ومن الأمور الخارجية ذات الصلة بفاعلية الخطبة وتأثيرها:
توجه السامع ورغبته في السماع، حيث ان هذا الامر يترك اثراً واضحاً على نفس الخطيب ويشرح صدره للكلام، مثلما يؤثر جفاء السامع وانشغاله عن الخطبة سلبياً على نفسية الخطيب.
وهكذا فإن على السامعين مسؤولية غير قليلة عن نجاح الخطبة أو فشلها وهذا يؤكد ان فن الاستماع لا يقل أهمية عن فن الإلقاء.
9- ومن اهم الأمور التي يجب ان تسبق القاء الخطبة معرفة اخطيب ماذا يريد ان يقول:
ومعرفته لمن يقول وهو الجمهور الذي يستمع اليه، فإن لكل مقام مقالاً، وهي العوامل المؤثرة في فاعلية الخطبة وتأثيرها في نفس السامع من جهة الخطبة نفسها ومن ذلك:
1- براعة الاستهلال:
وهي ان تبدأ ببداية مثيرة تشد السامع، وتحرك في نفسه الرغبة في الاستماع والتفاعل، ولنا ان نقتدي في ذلك بالأسلوب القرآني المعجز في مطالع وبدايات السور القرآنية المباركة كقوله تعالى: { ألم ترك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} سورة الفيل: 1، وقوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية}، سورة الغاشية: 1، وقوله تعالى: {أتى امر الله فلا تستعجلوه}، سورة النحل:1، وقوله تبارك وتعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} سورة القمر: 1، ومثل ذلك كثير جداً ويتحقق ذلك بطرح المشكلة او القضية التي يراد الحديث عنها بجملة من الاسئلة والاستفسارات.
ولنا في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة، فمن ذلك قوله عليه السلام: >ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان< اخرجه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: >خمس أعوذ بالله ان تكون فيكم او تدركوهن< رواه الطبراني، وقوله صلى الله عليه وسلم: >بادروا بالأعمال سبعاً< رواه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: >أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة< رواه الطبراني، وقوله صلى الله عليه وسلم: >ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات< رواه الامام مسلم والترمذي والنسائي.
2- التحذير من طول المقدمات:
وهذا شأن يقع به كثير من الخطباء فتجده لا يدخل الموضوع الا بعد املال السامع وتيئيسه من التعرف على الخطبة من أين تبدأ والى أين ستنتهي فتجده يستسلم للنعاس او الغفلة عن الخطيب فلا ينتبه الا عند اقامة الصلاة.
3- تحديد الموضوع مسبقاً:
وعدم اجهاد السامع في استنتاج ذلك كأن يقول عن البداية: اما بعد فحديثنا اليكم اليوم عن عبر الاسراء والمعراج، أو ان يقول: الحمد لله الذي جعل الحج ركناً من اركان الاسلام، وهكذا فتبدأ الأسئلة والاستفسارات بقصد توضيح اهمية الموضوع وضرورة مجالسته.
4- دقة الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة:
ويشار في هذه المناسبة الى ان كثيراً من الخطباء يبدأ الخطبة وينتهي منها دونما استشهاد بآية ولا حديث مما يترك الخطبة خاوية فقيرة الى أنوار الوحي، وفي حال ذكر آية كريمة أو حديث شريف فيحسن بالخطيب ان يتأكد من دقة حفظه للنص القرآني ومن تخريج الحديث النبوي الشريف.
5- تجنيب الأمور الخلافية:
وترك الحديث في الاختلافات الفقهية الى الدروس العلمية المتخصصة، والحرص على الكلام في القضايا الكلية العامة في ديننا التي لا يختلف عليها إثنان، وهذا شأن الخطبة، فهي مقررة في الدين لتوحيد الناس والتأليف بينهم وجمعهم على مقاصد الشريعة.
6- تناول الحديث عن الاسلام على أنه منهج الله الشامل ودينه الكامل:
ونحذر من الاجتزاء وتقطيع اوصال الدين من خلال الرؤى الضيقة التي تفهم الاسلام اجزاء وتفاريق نأخذ منها ما نشاء ونذر منها ما نشاء وفق نظر قاصر يغفل حكمة الشريعة وهدفها في بناء مجتمع انساني راشد ويؤكد ذلك الحديث عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في اقامة مجتمع فريد، يقوم على الطاعة والعدل والشورى والتعاون والتكافل، والإعراض عن الحديث في القضايا التي لا تكون عند الخطيب عنها معرفة، مما يقوم على المصالح والأهواء الضيقة المحدودة، التي ليس لها ثبات على حال، اذ الحديث في هذا الجانب ضرره اكثر من نفعه، ويكفينا في الحكم على الأشخاص والأشياء ميزان شريعتنا الذي لا يجامل أحداً لرغبة أو رهبة.
ولا بد من التأكيد على ان الشريعة ليست ضد احد بعينه ولكنها رحمة للعالمين ومن هنا فيحسن بالخطيب ان يذكر الخطأ بأسلوب يعتمد الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ويعرض عن ذكر المخطئ لاعطائه فرصة للرجوع الى الصواب دونما حرج.
7- تجنب التجريح والتشهير للأفراد والجماعات:
لأن هذا يوغر الصدور ويثير الأحقاد ويقطع فرص الآخرين للاستفادة من الخطبة لأن السامع في هذه الحالة سيهيئ نفسه للرد عليها وليس للافادة منها.
8- التأكد من صحة المعلوممة ودقتها:
لكي تكون سبباً لقوة الخطبة وليست عاملاً من عوامل ضعفها.
9- الاهتمام باللغة العربية وتجنب اللحن والتزام قواعد الاعراب:
فكم من موضوع هام مفيد اضاعه ضعف لغة الخطيب، ولا يصح ان يلوذ الخطيب احياناً بجهل السامع او عدم رغبته في المراجعة اذ العربية لبوس ديننا ولغة قرآننا ولسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
10- تناسب النبرة والصوت مع الموقف:
فيشتد الخطيب في موقف الشدة ويلين في موضوع اللين تماماً كما هو وارد في الحديث عن خطب النبي عليه السلام الذي كان في مواقف الشدة كأنه منذر جيش.
11- تجنب تكرار كلمة بعينها:
اذ ان ذلك يدعو الى السآمة والملل ويقلل من هيبة الخطبة ويدفع الى الاستغراب والاستهجان.
12- تجنب الاشارة الى الناس عند ذكر امر مذموم:
كما في قوله تعالى: >فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون< سورة الأنفال: 35، وقوله تعالى: >كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون< سورة المرسلات: 46 .
13- اختيار العبارات السهلة البسيطة:
فبدلاً من >اشرأبت< نقول: >تطاولت< وبدلاً من >يتجشمون< نقول: >يتحملون< وبدلاً من >تفاقمت< نقول: >اشتدت< وهكذا، فالمقصود ايصال المعنى وليس الاستعراض اللغوي.
14- الحركة المناسبة والاشارة المناسبة:
فرب حركة اوصلت المعنى الى القلب قبل الكلمة وأبلغ من الكلمة ورب حركة اضاعت هيبة الكلمة وافقدتها معناها، ولا بد هنا من التذكير بأن كثرة الحركة وخروجها عن حد الاعتدال قد يؤدي الى الزراية والسخرية، فليفطن الخطيب لكل ذلك.
15- الابتعاد عن جلد الذات وتقريع الآخرين:
وترسيخ حالة اليأس والاحباط التي نعاني منها، فكل هذا يؤدي الى النكوص والتراجع ولا يساعد في تقدم الأمة فتيلاً.
16- اشاعة الأمل وروح التيسير والتبشير:
وهذا ليس من باب الحديث المكرور المرتجل ولكنه منهج رباني مسلوك، وطريق ممدود يقول المولى سبحانه: >فإن مع العسر يسراً ان مع العسر يسراً< سورة الشرح: 5-6، ويقول جل جلاله: >حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا< سورة يوسف: 110، وقال صلى الله عليه وسلم: >يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا<.
17- الخاتمة:
ويراعى ان تختم الخطبة بكلمات جامعة، ملخصة لما تفرق في الخطبة ومنسجمة مع ما بدأت به الخطبة وما عرضت له من موضوع.
وبعد: فإن هذا بعض مؤشرات ومؤثرات في اعطاء الخطبة فاعليتها، لم تذكر على سبيل الاستقصاء والحصر، وانما هي من باب النصح والارشاد وهي بالتأكيد قابلة لأن يزاد عليها أو يحذف منها >ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً ان الله على كل شيء قدير< سورة البقرة: 148 .