تلسكوب ” هابل”.. وتجليات ملكوت السماء
تلسكوب “هابل”…وتجليات ملكوت السماء
قال تبارك وتعالى:“قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ”(يونس:101).
قال ابن كثير-رحمه الله-“يرشد تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق الله في السموات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب مما في السموات من كواكب نيرات ثوابت وسيارات; والشمس والقمر والليل والنهار واختلافهما وإيلاج أحدهما في الآخر حتى يطول هذا ويقصر هذا ثم يقصر هذا ويطول هذا وارتفاع السماء واتساعها وحسنها وزينتها …)
وقال أيضاً “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ”(ق:6)، قال القرطبي-رحمه الله-أي رفعت عن الأرض بلا عمد. وقيل: رفعت, فلا ينالها شيء، وقال ابن كثير-رحمه الله–“أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا”أي بالمصابيح “وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ” قال مجاهد يعني من شقوق وقال غيره فتوق وقال غيره صدوع والمعنى متقارب كقوله تبارك وتعالى“ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)”(الذاريات)، أي كليل عن أن يرى عيبا أو نقصا .
والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم، قال تعالى:”أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ”(الأعراف:185).
قال القرطبي-رحمه الله-استدل بهذه الآية- وما كان مثلها من قال بوجوب النظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته. قالوا: وقد ذم الله تعالى من لم ينظر, وسلبهم الانتفاع بحواسهم فقال:“لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا”[الأعراف:179] الآية. وقد اختلف العلماء في أول الواجبات, هل هو النظر والاستدلال, أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة. فذهب القاضي وغيره إلى أن أول الواجبات النظر والاستدلال; لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة, وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته. وإلى هذا ذهب البخاري رحمه الله حيث بوب في كتابه”باب العلم قبل القول والعمل” لقول الله عز وجل:”فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ” [ محمد:19] .
وقال في سورة الأنعام:“وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ” (الأنعام:75) قال ابن كثير-رحمه الله-أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله عز وجل في ملكه وخلقه وأنه لا إله غيره ولا رب سواه.
ونقل القرطبي-رحمه الله-عن إبراهيم النخعي قال: فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش , وفرجت له الأرضون فنظر إليهن , ورأى مكانه في الجنة.
وقال الطبري-رحمه الله-واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:{نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فقال بعضهم: معنى ذلك: نريه خلق السموات والأرض وقال آخرون: معنى ذلك:آيات السموات والأرض وقال الضحاك:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال:الشمس والقمر والنجوم. وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب, قول من قال: عنى الله تعالى بقوله:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أنه أراه ملك السموات والأرض, وذلك ما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما, وجلى له بواطن الأمور وظواهرها; لما ذكرنا قبل من معنى الملكوت في كلام العرب.وأما قوله:{وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} فإنه يعني:أنه أراه ملكوت السموات والأرض ليكون ممن يتوحد بتوحيد الله, ويعلم حقيقة ما هداه له وبصره إياه من معرفة وحدانيته وما عليه قومه من الضلالة من عبادتهم واتخاذهم آلهة دون الله تعالى .
تلسكوب هابل يجلي طرفاً من ملكوت السماء:
تلسكوب هابل هو أول مقراب يدور حول الأرض وقد أمد الفلكيين بأوضح وأفضل صور للكون على الإطلاق بعد طول معاناتهم من المقاريب الأرضية التي يقف في طريق وضوح رؤيتها الكثير من العوائق سواء جو الأرض الممتلئ بالأتربة والغبار أو المؤثرات البصرية الخادعة لجو الأرض والتي تؤثر في دقة النتائج، وقد بدأ مشروع بناء المقراب عام 1977م، وأطلق إلى الفضاء في أبريل من عام 1990م، وسمي على اسم الفلكي ادوين هابل Edwin Hubble.
وقد أسهمت صور المقراب في فهم الكثير من حقائق الكون وحل الكثير من ألغازه،فقد ساعد علماء الفلك على تحديد عمر الكون بشكل دقيق(13.7 بليون سنة)، وأكد على وجود شكل غريب من الطاقة يسمى”الطاقة المظلمة”، كما اكتشفت مجرات صغيرة العمر كان الضوء ينبعث منها عندما كان عمر الكون أقل من بليون سنة، وأثبت أيضا وجود “الثقوب السوداء” الهائلة الحجم داخل المجرات، وكشف أن عمليات تشكل المجموعات الشمسية أمر شائع في سائر أنحاء المجرات
والتقط التلسكوب أكثر من ثلاثة أرباع مليون صورة لأجرام سماوية مثل المجرات والنجوم المحتضرة والسحب الغازية العملاقة والأماكن التي تولد فيها النجوم، وهى صور تجلي قدرة الخالق وعظمة ملكوت السماء وما تزخر بها من آيات باهرات، وصدق الله العظيم إذ يقول:”هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”(لقمان:11)
ومرفق بهذا البحث مجموعة من أروع الصور التي التقطتها عدسات التلسكوب الذي تحتفل وكالة الفضاء الأمريكية(N.A.S.A) بمرور عشرين عاماً على إطلاقه.
يقول تعالى:“وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى”(النجم:1)، يلاحظ أن مادة النجم لا تذهب بعيداً كما يحدث في الانفجارات العادية بل تتهاوى باتجاه مركز النجم (أي مركز جاذبية النجم) حيث إن مركز النجم هو مركز الجاذبية فيه، وبالتالي تتسارع مادة النجم باتجاه مركزه ويعتبر العلماء هذه العملية بمثابة سقوط لمادة النجم باتجاه مركز جاذبيته. وهو يتفق والمعنى اللغوي للكلمة، فقد جاء في القاموس المحيط: هوى: سقط، ولذلك فإن كلمة(هَوَى) تعتبر أدق لغوياً من مصطلح (موت النجوم) المستخدم لدى البعض.
تحدث القرآن عن يوم القيامة عندما تنتثر النجوم التي يسميها القرآن أحياناً بالكواكب كما في قوله تعالى:“إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ*وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ”[الصافات:6-7]. هذه الكواكب أو النجوم سيأتي عليها يوم تتناثر فيه وتتباعد، لقوله تعالى:“وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ”[الانفطار:2]. وهذه الصور هى إنما هى مشاهد تذكر بهذا اليوم المهيب.
وصدق الله العظيم إذ يقول:”وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ”(الزمر:67).”وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ”(ص:27).
________________
بقلم/ صبحي رمضان فرج
مدرس مساعد- كلية الآداب-جامعة المنوفية-جمهورية مصر العربية