:. مكانة مصر وفضلها . :
مكانة مصــــر وفضلهــا
فضَّل الله بعض الشُّهور على بعض، وبعض الأيَّام على بعض، وبعض اللَّيالي على بعض، وبعض المساجد على بعض، وفضَّل الله مصر على سائر البلدان، كما فضَّل بعض النَّاس على بعض، والأيام واللَّيالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعاً، وقد فضَّل الله مصر وشهد لها في كتابه بالكرم، وعظم المنزلة، وذكرها باسمها وخصَّها دون غيرها، وكرَّر ذكرها،
وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية، والملوك الماضية، والآيات البيِّنات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك ورد عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مصر، وفي عجمها خاصَّة، وذكْره لقرابته ورحمهم، ومباركته عليهم، وعلى بلدهم، وحثِّه على برِّهم ما لم يرو عنه في قوم من العجم غيرهم، وسنذكر ذلك إن شاء الله في موضعه مع ما خصَّها الله به من الخصْب والفضل، وما أنزل فيها من البركات، وأخرج منها من الأنبياء، والعلماء، والحكماء، والخواصِّ والملوك، والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضاً سواها، فإنَّ ثرَّب علينا مثرِّب، أو شنَّع مشنِّع، بذكْر الحرمَيْن، فللحرمين فضلهما الذي لا يُدفع، وما خصَّهما الله به ممَّا لا ينكر من موضع بيته الحرام، وقبر نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام، وليس ما فضَّلهما الله به بباخس فضل مصر، ولا بناقص منزلتها، وإنَّ منافعها في الحرمين لبيِّنة، لأنَّها تميرهما بطعامها وخصبها وكسوتها وسائر مرافقها، فلها بذلك فضل كبير، ومع ذلك فإنَّها تطعم أهل الدُّنيا ممَّن يرد إليها من الحجاج والمعتمرين، طول مقامهم يأكلون ويتزوَّدون من طعامها، من أقصى جنوب الأرض وشمالها، ممَّن كان من المسلمين في بلاد الهند والأندلس وما بينهما، لا ينكر هذا منكر، ولا يدفعه دافع، وكفى بذلك فضلاً وبركة في دين ودنيا.
مصر في القرآن الكريم:
يقول الله تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾يونس: 87. وما ذكره الله عزَّ وجلَّ حكايةً عن قول يوسف:﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾يوسف: 99. وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾البقرة: 61.
وقال الله تعالى:﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾المؤمنون: 50. قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال بعض علماء مصر: هي البهنسا، وقبط مصر مجمعون على أنَّ المسيح عيسى بن مريم وأمَّه عليهما السَّلام، كانا بالبهنسا، وانتقلا عنها إلى القدس. وقال بعض المفسرين: الرَّبوة دمشق، والله أعلم.
ويقول الله تعالى:﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾يوسف: 21. وقال الله تعالى:﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾يوسف: 30. والمدينة: منف، والعزيز: ملك مصر حينئذ. وقال الله تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾القصص: 15. هي منف، مدينة فرعون.
وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾القصص: 20. هي منف أيضاً، وتسمَّى: المنوفيَّة حاليَّاً. وقال الله تعالى حكايةً عن إخوة يوسف:﴿قَالُوا يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾يوسف: 88. وقال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه السَّلام: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾يوسف: 100. فجعل الشَّام بدواً
وقال تعالى حكايةً عن فرعون وافتخاره بمصر:﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾الزخرف: 51. وقال الله تعالى حين وصف مصر، وما كان فيه آل فرعون من النِّعمة والملك، بما لم يُصَفْ به مشرقٌ ولا مغربٌ، ولا سهلٌ ولا جبلٌ، ولا برٌ ولا بحرٌ:﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾الدخان: 25- 28. وعلى العموم ذكرت مصر في القرآن الكريم تصريحاً أو تلميحاً، في ثمانية و عشرين موضعاً.
فهل يُعلم أنَّ بلداً من البلدان، في جميع أقطار الأرض أثنى عليه القرآن الكريم بمثل هذا الثَّناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟!!.
مصرُ في السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” إنَّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإنَّ لها ذمَّة ورحماً، أو قال: ذمَّة وصهراً، فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها “. قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها. رواه مسلم برقم:( 5916). فأمَّا الرَّحم، فإنَّ هاجر أمَّ إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السَّلام من القبط، من قرية نحو الفرما يقال لها: أمُّ العرب. وأمَّا الذِّمَّة: فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، تسرَّى من القبط مارية أمَّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي من قرية نحو الصَّعيد، يقال لها: حفن من كورة أنصنا، فالعرب والمسلمون كافَّة لهم نسب بمصر، من جهة أمِّهم مارية أمِّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّهات المؤمنين، والقبط أخوالهم. وصارت العرب كافَّة من مصر، بأمِّهم هاجر؛ لأنَّها أمَّ إسماعيل عليه السَّلام، وهو أبو العرب. فالمصريُّون هم أخوال العرب، فعلى كلِّ عربيٍّ أصيلٍ، حين يقابل مصريَّاً أن يقول له:” أهلاً بالخال!! كيفك يا خال!! “.
مكانة مصر عند السَّلف الصَّالح:
كان بمصر إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإدريس، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر سبطاً، ووُلد بها موسى، وهارون، ويوشع بن نون، ودانيال، وأرميا، ولقمان عليهم جميعاً أفضل الصَّلوات وأزكى التَّسليمات..
وكان بها من الصِّدِّيقيين والصِّدِّيقات: مؤمن آل فرعون الذى ذكره فى القرآن فى مواضع كثيرة، وقال على بن أبى طالب اسمه: حزقيل، و كان بها الخضر، وآسية امرأة فرعون، وأم إسحاق، ومريم ابنه عمران، وماشطة بنت فرعون.
من مصر تزوَّج إبراهيم الخليل هاجر أمَّ اسماعيل، وتزوَّج يوسف عليه السَّلام من زليخا، ومنها أهدى المقوقس الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مارية القبطية، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم.
ومن الأسماء المصريَّة اللامعة في الرِّياضيات، والفلك، والطِّبِّ، والفلسفة، والمنطق وغيرها من العلوم: الإسكندر ذو القرنين، الذي تلا الله قصَّته في القرآن الكريم، وفيثاغورث، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطاطاليس، وأرشيمدس في الهندسة، وجالينوس في الطَّبيعة. حتَّى إنَّ مصر كانت وما زالت تعلِّم وترسل بعثاتها إلى الخليج العربيِّ لتعليم كافَّة العلوم والفنون، في الأدب، والفقه، والشَّريعة، والحديث، والقرآن وغيرها من العلوم.
قال أبو بصرة الغفاري: مصر خزانة الأرض كلِّها، وسلطانها سلطان الأرض كلِّها، وبها من الخير ما يكفي لإطعام الأرض كلِّها، ووصف الله مصر بكونها مبوَّأ صدق، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾يونس: 93، وأخبرنا أنَّها أرض مباركة، قال الله تعالى:﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾الأعراف: 137، وقال الله تعالى على لسان يوسف عليه السَّلام:﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾يوسف: 55، ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كلَّ حاضر وباد من جميع الأرض.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أمُّ البلاد، وغوث العباد.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ” ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة “. وقد جباها في أوَّل سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك للرُّوم عشرين مليون ديناراً، فانظر كيف أتى الإسلام بالرَّحمة لأهل مصر.
وقال عبد الله بن عمرو: من أراد أن ينظر إلى الفردوس؛ فلينظر إلى أرض مصر، حين تخضرُّ زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنَّوار أشجارها، وتغنِّي أطيارها.
وقال كعب الأحبار: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنَّة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطَّردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنَّت طيرها.
ودخل مصر من الصَّحابة كثير منهم: الزَّبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم.
وعاش في مصر من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: اللَّيث بن سعد، والعزُّ بن عبد السلام والإمام الشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر العسقلاني، والإمام الشَّاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله من الخلفاء.
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا مصريُّ! أين تسكن؟. قلت: أسكن الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندريَّة؟. قلت: نعم. قال لي: تلك كنانة الله، يحمل فيها خير سهامه.
وقال يحيى بن سعيد: جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر.
وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
الأنبياء في مصر
أما أهل مصر فيكفيهم شرفًا وفخرًا سكنى الأنبياء بين ظهرانيهم، ومرورهم ببلادهم، فهذا الخليل إبراهيم شيخ الموحدين وأفضل المرسلين بعد نبينا العظيم -عليهما أفضل الصلوات وأتم التسليم- قد مرَّ بمصر في رحلته مع زوجه سارة، وجرى لهما مع جبار مصر ما جرى، مما ورد في صحيح الإمام البخاري لمن أراد الرجوع إلى القصة.
ودخلها يعقوب عليه الصلاة والسلام، ودخلها الأسباط مرارًا، وتُوُفُّوا ودُفنوا بها.
وسكن مصرَ يوسف -عليه الصلاة والسلام- ونال بها من المكانة والجاه ما لم ينله أحد من الأنبياء والمرسلين ومن عداهما في مصر، وشرفت أرض مصر بدفن جسده الطاهر فيها، ثم نُقل بعد ذلك إلى فلسطين زمن موسى -عليه الصلاة والسلام- في قصة جليلة.
وموسى وهارون -عليهما الصلاة والسلام- وُلِدا في مصر وعاشا فيها طويلاً، وجرى عليهما في أرض مصر ما جرى من الأحداث العظام، مما قصَّه علينا الله -تعالى- في كتابه الجليل.
ويوشع بن نون فتى موسى وكان نبيًّا -عليه الصلاة والسلام- ولد بمصر، وعاش فيها، وخرج منها مع موسى – عليهما الصلاة والسلام.
وقيل: إن أيوب وشعيبًا وأرميا دخلوا مصر أيضًا -والله أعلم-.
ويكفي المصريين شرفًا وفخرًا أن خير الأنبياء والمرسلين مطلقًا محمدًا وإبراهيم -عليهما أفضل الصلوات والتسليم- كان تحتهما مارية وهاجر المصريتان، فأنجبت الأولى إبراهيم عليه السلام، وأنجبت الأخرى إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- وهو جدُّ نبينا صلى الله عليه وسلم، فما أحسن هذا! وما أعظمه!
وقيل: إن يوسف -عليه الصلاة والسلام- صاهر إليهم أيضًا.
وإن يفتخر المصريون بشيء بعد هذا، فحُقَّ لهم أن يفخروا بماء زمزم الذي فُجِّر إكرامًا لهاجر وابنها، فللمصريين فضلٌ في ظهور هذا الماء، والشرف موصول لهم ما بقي هذا الماء على وجه الأرض.
وحَقٌّ على المصريين أن يفخروا بأن هاجر قد خَلَّد الله سعيها بين الصفا والمروة جزاء طاعتها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأوجب على كل رسول ونبي وسائر مَن حج البيت الحرام أن يسعى سعيها، ويجهد جهدها, فما أعظم هذا! وما أحسنه!
ولو لم يكن للمصريين فخر وشرف إلا أن هاجر هي جدة النبي الأعظم المفخّم المكرّم محمد صلى الله عليه وسلم، لكان هذا كافيَهم؛ ولذلك قال فيها أبو هريرة رضي الله عنه: “تلك أمكم يا بني ماء السماء”؛ أي العرب.
ومن المصريات العظيمات أم موسى عليه الصلاة والسلام، وقيل بنُبُوَّتها.
وآسية امرأة فرعون التي ضربها الله -سبحانه وتعالى- مثلاً في كتابه للمؤمنين وأثنى عليها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى كوامل النسوة رضي الله عنها، وقيل بنبوَّتها.
ومرت سارة زوج الخليل -صلى الله عليه وسلم- بمصر، ولها قصة فيها وردت في صحيح الإمام البخاري.
ومن المصريات الجليلات ماشطة فرعون، وابنها الذي تكلم في المهد، ولها وله قصة جليلة رائعة.
ومن المصريين مؤمن آل فرعون، وقد شُرف بتخليد صنيعه ودفاعه عن موسى -عليه الصلاة والسلام- والدعوة الإسلامية في كتاب الله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
ومن المصريين كذلك، الرجل المؤمن الذي حذر موسى عليه الصلاة والسلام، وورد في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
ومنهم السحرة الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام، وكانوا جملة وافرة، وعددًا ضخمًا.
أخلاق أهل مصر
وأهل مصر من ألين الناس تعاملاً، ومن أحسنهم أخلاقًا وأدبًا؛ ولذلك قال تاج الدين الفزاري -رحمه الله تعالى-: “إن من أقام في مصر سنة، وجد في أخلاقه رقةً وحسنًا”.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: “أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة”.
وقال ابن ظهيرة -رحمه الله تعالى- يمدح أهل مصر، ويعدِّد مزاياهم:
“حُسْنُ فَهْمِهم في العلوم الشرعية وغيرها من سائر العلوم، وسرعة تصورهم، واقتدارهم على الفصاحة بطباعهم وعذوبة ألفاظهم ولطافة شمائلهم وحسن وسائلهم – أمر محسوس، غير منكور، تشهد لهم بذلك الناس، حتى إن كل من عرفهم وخالطهم اكتسب من فصاحتهم، واختلس من لطافتهم، وإن كان أعجميًّا قحفًا، أو فلاحًا جلفًا”.
ثم مدح أصواتهم فقال: “حَسُن أصواتهم، ونداؤهم، وطيب نغماتهم وشجاها، وطول أنفاسهم وعلاها، فمؤذنوهم إليهم الغاية في الطيب، ووعاظهم ومغنوهم إليهم المنتهى في الإجادة والتطريب”.
ثم مدح نساءهم فقال: “نساؤها اللاتي خلقهن الله تعالى للتمتع بهن، وطلب النسل منهن، أرق نساء الدنيا طبعًا، وأحلاهن صورة ومنطقًا، وأحسنهن شمائل، وأجملهن ذاتًا، وخصوصًا المولدات منهن، وهي من يكون أبوها تركيًّا وأمها مصرية، أو بالعكس، وما زلتُ أسمع قديمًا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولم أره منقولاً، أنه قال: من لم يتزوج بمصرية لم يكمل إحصانه”.
ثم مدح حسن معاملتهم للغرباء فقال: “حلاوة لسانهم، وكثرة ملقهم ومودتهم للناس ومحبتهم للغرباء، ولين كلامهم لهم، والإحسان إليهم، ومساعدتهم لهم على قضاء حوائجهم، ورد ظلاماتهم، ونصرهم على من ظلمهم بحسب استطاعتهم، وقوَّة عصبيتهم لمن أرادوا وإن كانوا في باطل. عدم اعتراضهم على الناس؛ فلا ينكرون عليهم، ولا يحسدونهم، ولا يدافعونهم، بل يسلمون لكل أحد حاله: العالم مشغول بعلمه، والعابد بعبادته”.
الصحابة في مصر
هذا وقد سكن مصر بعد فتحها جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرفت أرض مصر بهم وازدانت، وخالط ترابها أجسادهم الطاهرة، وبعضهم سكنها ومات بغيرها، وبعضهم مَرَّ بها رسولاً أو مجاهدًا، وكان منهم جملة جليلة وعدد كبير عظيم، منهم عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن أبي السرح، ومسلمة بن مخلد، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية بن حُديج, وكلهم ولي إمرة مصر.
ومن الصحابة في مصر أيضًا: صلة بن الحارث الغفاري، وعبد الله بن حذافة السهمي، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وشهد فتحَ مصر، واختط بها سكنًا، وعاش بها دهرًا، وهو آخر صحابي مات بمصر، وأبو بصرة الغفاري شهد فتح مصر.
وخارجة بن حذافة العدوي، وهو أحد الفرسان الأبطال يُعَدُّ بألف فارس، وأمد به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو الذي قتلته الخوارج؛ ظنًّا منهم أنه عمرو بن العاص رضي الله عنه.
ورويفع بن ثابت الأنصاري. ودخلها جابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنه؛ طلبًا لسماع حديث عظيم جليل. ودِحية بن خليفة الكلبي، وهو الذي كان ينزل جبريل بصورته، وكان له جمال مفرط. والزبير بن العوام -رضي الله عنه- وقد شهد فتح مصر، وهو معدود من الأبطال الكبار.
وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وشهد فتح مصر، ودخلها غير مرة. وسلمة بن الأكوع وهو فارس شجاع رامٍ مشهور. وسهل بن سعد الساعدي، وقدم مصر بعد الفتح.
وعبادة بن الصامت وهو أحد النقباء، وممن شهد بدرًا، وكان من سادات الصحابة وشهد فتح مصر.
وعبد الله بن أُنيس الجهني، وعبد الله بن حوالة الأزدي وشهد فتح مصر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي السرح وشهد فتح مصر، وعبد الله بن عباس وقد دخل مصر لفتوح إفريقية، وعبد الله بن عمر شهد فتح مصر، وعبد الله بن عمرو بن العاص وشهد فتح مصر، وعمار بن ياسر دخل مصر رسولاً، وفضالة بن عبيد الأنصاري وشهد فتح مصر، وقيس بن سعد بن عبادة وشهد فتح مصر وسكن بها، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، والمسيب بن حَزْن -والد سعيد- وقد دخل مصر لغزو إفريقية، ومعاوية بن حُديج السَّكوني وشهد فتح مصر، وأبو إمامة الباهلي وسكن مصر مدةً وتوفي بالشام، وأبو أيوب الأنصاري وقد شهد فتح مصر، وأبو الدرداء وقد شهد فتح مصر، وأبو ذر الغفاري وشهد فتح مصر وسكنها مدةً، وأبو هريرة رضي الله عنه.
وقد تخيرت أشهر الصحابة، وإلاّ فقد بلغوا زُهَاء ثلاثمائة وخمسين رضي الله عنهم.
وولد بها خامس الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين عمر بن عبد العزيز، وكان أبوه عبد العزيز بن مروان واليًا عليها، وكان عمر يحب مصر ويثني عليها، وقد قال له سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي قبله في حادثة جرت لفرس مصرية: لا تترك تعصبك لمصر يا أبا حفص.
التابعون في مصر
أما التابعون فقد سكنها جملة عظيمة منهم -رحمهم الله تعالى- فكان منهم أبو الزناد عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت 117هـ)، صاحب أبي هريرة -رضي الله عنه- والملازم له.
وحبيب بن الشهيد التجيبي المصري فقيه طرابلس الغرب (ت 109هـ).
وبكير بن عبد الله الأشج المدني الفقيه، نزيل مصر، وهو من ثقات المصريين وقرائهم (ت 122هـ).
ويزيد بن أبي حبيب الأزدي، أبو رجاء المصري، فقيه مصر وشيخها ومفتيها (ت 128هـ)، وكان ثقة كثير الحديث، روى عنه أصحاب الكتب الستة، وكان مفتي أهل مصر، وهو أول من أظهر العلم بمصر والمسائل في الحلال والحرام، وكان أهل مصر قبله إنما يتحدثون في الملاحم والفتن والترغيب، وقال الليث: هو سيِّدنا وعالمنا.
فياليت أهل مصر برجالها ونساءها وأطفالها يعرفون قدرها ،، نداء إلى قراءة تاريخ مصر … وفضلها