القنوت في الصلوات وحُكمه
- أولاً – تعريف ومعنى القنوت في الصلاة :
___
القنوت في تعريف الفقهاء هو : ” اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام “ .
وهو مشروع في صلاة الوتر بعد الركوع على الصحيح من قولي العلماء .
ومشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيدعو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل فريضة من الصلوات الخمس ، حتى يكشف الله النازلة ، ويرفعها عن المسلمين.
والنازلة : ” هي الشديدة من شدائد الدهر ” .
ومن أمثلة هذه النّوازل : الحرب ، الوباء ، القحط ، الأمطار الشديدة ، السيول ، الفتن الشديدة ، وما شابه ذلك ، على أن تتسم بالشدة .
- ثانياً – قنوت النوازل :
يُشرع القنوت في النوازل في الصلوات الخمس كلها . وقد ثبت في ذلك نصوص كثيرة منها :
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ” متفق عليه واللفظ لمسلم .
2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ ( بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) ” . أخرجه البخاري .
3. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ ” أخرجه البخاري.
4. عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ : ” قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ ” أخرجه مسلم.
5. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ” . أخرجه البخاري .
ويتبين من هذه الأحاديث أمور :
1. مشروعية القنوت في النوازل . قال ابن تيمية : ” القنوت مسنون عند النوازل ، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث ، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين “.( مجموع الفتاوى 23/ 108 ).
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها ، وثبت في صحيح البخاري منها : الفجر والظهر والمغرب والعشاء . أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود بسند جيد كما سبق .
3. أن أكثر ما رواه الصحابة في قنوت النوازل للنبي صلى الله عليه وسلم ـــ فيما يظهر من هذه الأحاديث وغيرها ـــ كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر ، ثم العصر .
قال ابن تيمية رحمه الله : “.. فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وغيرها من الصلوات ، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه ( اللهم العن كفرة أهل الكتاب )” ( مجموع الفتاوى 22/270 ) .
وقال ابن القيم : ” وكان هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة ، وترْكَه عند عدمها ، ولم يكن يخصه بالفجر ، بل كان أكثر قنوته فيها ” . ( زاد المعاد 1/273 ) .
4. أن قنوت النوازل إنما يكون في الركعة الأخيرة ، و أن محله بعد الرفع من الركوع .
- ثالثاً – : المشروع أن يكون القنوت يسيراً :
فيبتعد عن الإطالة لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه لما سئل : هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ؟ قَالَ : ” نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا ” أخرجه مسلم . وقد ظهر لنا من الأحاديث السابقة أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم كان جُملاً قليلة . والسعيد من وفق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
- رابعاً – الاقتصار في الدعاء على النازلة :
فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى ، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
والذي يظهر من الأدلة السابقة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر الدعاء نفسه في قنوته حينما قنت شهراً ، وربما كان بينها اختلاف يسير .
- خامساً – القنوت مشروع عند وجود سببه ( وهو النازلة بالمسلمين ) فإذا زال السبب ترك القنوت :
أما قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً فليس مقصوداً منه التحديد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم ، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ فَقُلْتُ أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ قَالَ فَقِيلَ وَمَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا “. أخرجه مسلم .
قال ابن القيم : ” إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم ، وللدعاء على آخرين ، ثم تركه لما قدم من دعا لهم ، وتخلصوا من الأسر ، وأسلم من دعا عليهم و جاؤوا تائبين ، فكان قنوته لعارض ، فلما زال ترك القنوت “. (زاد المعاد 1/272 ) .
- سادساً : قنوت النوازل ليس له صيغة معينة ، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة :
أما الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن : ” اللهم اهدنا فيمن هديت .. الخ ” فإنما هو في قنوت الوتر ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل .
وقال أيضاً : ” وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة . وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً “.( مجموع الفتاوى 22/271 ) .
ومن دعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يناسب نازلة المسلمين كأن يقول في مثل مصابنا هذه الأيام : ( اللهم أنج إخواننا المسلمين في كوسوفا ، اللهم انصرهم ، اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى ومن شايعهم وأعانهم ، اللهم العنهم ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) فقد أحسن ؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأجمع ما يدعى به .
- سابعاً : يُسن جهر الإمام في القنوت للنازلة :
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بِذَلِكَ ” أخرجه البخاري .
قال النووي : ” وحديث قنوت النبي صلى الله عليه وسلم حين قُتل القراء رضي الله عنهم يقتضي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات ، هذا كلام الرافعي . والصحيح أو الصواب استحباب الجهر ” . ( المجموع 3/482 ) .
قال ابن حجر : ” وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ،ومن ثمَّ اتفقوا على أنه يجهر به ” (فتح الباري 2/570 ) .
- ثامناً : يسن تأمين المأموم على دعاء الإمام في قنوت النازلة :
لحديث ابن عباس رضي الله عنه في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : ” .. يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ ” أخرجه أحمد ، و أبو داود بإسناد جيد كما سبق .
- تاسعاً : يسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة :
لحديث أنس رضي الله عنه قال ” .. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ ـ يعني القرَّاء ـ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ “. أخرجه أحمد بإسناد صحيح . وقال النووي : ” رواه ـ البيهقي ـ بإسناد له صحيح أو حسن ” ( المجموع 3/479 ) .
تنبيهات أخرى مهمة لشمولية الأمر :
(1) – لا يُشرع مسح الوجه بعد دعاء القنوت . لأن ما ورد في المسح ضعيف لا يُحتج به .
وقال ابن تيمية : ” وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة ” (مجموع الفتاوى 22/519 ) .
(2) – مما يلحظ على بعض الناس في الدعاء قوله : ( اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، أو يا عفو يا غفور ) لأن التوسل بصفة الرحمة والمغفرة قد لا يناسب الدعاء عليهم باللعن وأخذهم بالشدة .
(3) – من الخطأ التزام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام دعاء قنوت النوازل ، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء. و الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يلتزم ذكر أو دعاء عند سبب أو زمن معين إلا بدليل . أما ما ورد عن بعض الصحابة فإنما هو في قنوت الوتر .
(4) – الذي ثبت هو القنوت في الصلوات الخمس في الجماعة .
أما القنوت في صلاة الجمعة ، والنوافل ، وللمنفرد فلم أقف للقنوت فيها للنازلة على حديث أو أثر صريح .
(5)- قال ابن تيمية : ” ينبغي للمأموم أن يتابع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد ؛ فإذا قنت قنت معه ، وإن ترك القنوت لم يقنت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وقال : ( لا تختلفوا على أئمتكم ) وثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم ) ” ( مجموع الفتاوى 23/115ـ116 ) .
(6)- قال بعض الفقهاء : إن قنوت النوازل إنما يفعله إمام المسلمين ، أما عامة المسلمين فلا .
وهذا القول فيه نظر ؛ لأمور :
الأول : أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم العموم لجميع المسلمين ، إلا إذا دل الدليل الصريح على التخصيص . ولم يثبت في ذلك دليل ، فنبقى على الأصل وهو مشروعيته لجميع المسلمين .
الثاني : حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه مرفوعاً : ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” أخرجه البخاري . فهذا الحديث صريح في أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنها لعموم المسلمين .
الثالث : أن أبا هريرة رضي الله عنه قنت وهو ليس بإمام للمسلمين ، كما ثبت في الصحيحين ـ وقد سبق ـ أن أَبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ ” .
(7)- قال بعض أهل العلم المعاصرين بشرطية إذن الإمام لقنوت النازلة في الصلاة ، وقد كثرت أسئلة الناس فيه جداً ، وينبغي أن تطرح هذه المسألة طرحاً علمياً مجرداً عن الضغوط . ولم أقف بعد البحث والتتبع من اشترط هذا الشرط من العلماء المتقدمين ، ولم أقف فيه كذلك على دليل ، والأصل في العبادات التوقيف والحظر ؛ فلا نضيف شرطاً ولاسبباً ولا عدداً ولا كيفية ولا أي وصف زائد في العبادة إلا بدليل من الكتاب أو السنة وإلا أصبحت الزيادة بدعة إضافية كما هو مقرر في قواعد البدعة .
وبعض طلاب العلم قد تختلط عليه هذه المسألة بالتي قبلها ، وبهذا البيان يتضح الفرق . وبالله التوفيق ، والحمد لله رب العلمين.
- القنوت في صلاة الفجر :
إن مسألة القنوت في صلاة الفجر وفي غيره؛ مسألة اختَلف فيها أهل العلم والتصنيف منذ القديم، ومن اللائق عند التفصيل في مثل هذا؛ أن يكون الكلام بأسلوب أدب الخلاف في فروع الفقه المعروفة، ولا يصل إلى التبديع والتضليل والتحذير ..و… لأن هذا يثير الفتن بين أفراد المجتمع المسلم، كما أنه يخالف منهج أهل الحديث..
وقد قال ابن القيم – رحمه الله – في مسألة القنوت كلاماً رائعاً حُق له أن يُكتب بماء الذهب، وهو:
• قال الإمام ابن القيم – رحمه الله-: “… فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعدُ بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنُتون حيثُ قنت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركُونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولون: فِعله سنة، وتركُه سنة، ومع هذا فلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفاً للسنة، كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكه مخالفاً للسنة، بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن…” {زاد المعاد: ج 1 / ص 115، طبعة دار التقوى: 1999م}.
ثم واصل كلامه في ذكر أمثلة مما يصوغ فيه الخلاف ويعتبر، إلى أن قال في الصفحة نفسها: “… فإذا قلنا: لم يكن مِن هديه المداومةُ على القنوت في الفجر، ولا الجهرُ بالبسملة، لم يدلَّ ذلك على كراهية غيره، ولا أنه بدعة، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكملُ الهدي وأفضلُه، والله المستعان“.
فالإمام ابن القيم رغم أنه يُقرر – أن الأولى ترك المداومة على القنوت، وأنَّه إنما شُرع في النوازل.. ( انتهى كلام الإمام رحمه الله )
في سؤال وجه للشيخ الألباني رحمه الله عن القنوت كان رده رحمه الله ..
الشيخ : القنوت شرعاً قنوتان مشروع وغير مشروع
المشروع هو ينقسم إلى قسمين له سبب عارض والقسم الآخر ليس له سبب عارض ,
فالقسم الأول / له سبب عارض فيما ينزل من المسلمين من المصائب وهذا ما يسمى بقنوت النازلة فهو جائز وفي الصلوات الخمس دون أي تخصيص بأي صلاة من هذه الصلوات الخمس .
والقنوت المشروع الآخر/ الذي لايرتبط بنازلة فهو القنوت في الوتر حيث يسن القنوت في الوتر دون أن يراعى في ذلك النازلة أو المصيبة تنزل بالمسلمين ..
وإذا عرفنا هذا التفصيل نقول الذي يريد أن يتوسط في الموضوع بين القولين الذين ذكرتهما فبعضهم يحافظ على قنوت الفجر دائماً والبعض الآخر لا يأتي بهذا القنوت مطلقا فهناك قول وسط يقول نفعل أحيانا ونترك أحيانا هذا الذي يفعل أحيانا ويترك أحيانا نقول له إن كنت تفعل حينما تفعل أحيانا من أجل النازلة فخالفت السنة من حيث تخصيص هذا القنوت بالفجر لأن القنوت في النازلة لايختص بالفجر فهلا عممت وقنت أحيانا في الفجر وأحيانا في الظهر وبقية الصلوات الخمس ..
وفي ظني أن مثل هذا القانت لايقنت أحيانا وفي الصبح فقط للنازلة وأنه من باب إرضاء الفريقين ،
هؤلاء بدهم قنوت فها قنتنا لكم وهؤلاء لايريدون القنوت فما قنتنا لكم وهذا كما يقولون يأخذون العصا في الوسط يعني يرضي الفريقين ويتغلب عليهما معاً فإذن هذا الذي يقنت في الفجر أحياناً نقول له إما أن تدع إذا كان قنوتك في الفجر ليس قنوت نازلة وإما أن تعمم إن كان لنازلة بقية الصلوات الخمس..
ومن هنا يظهر بأن الذي لايقنت في صلاة الفجر هو الأحرى والأولى بالسنة الصحيحة هذا ما لدي من الجواب على هذا السؤال … ( انتهى كلام الشيخ)
.. إذن .. القنوت في صلاة الصبح دائماً في جميع الأحوال فإنه ” لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص الصبح بالقنوت، ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح، وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعُصَيَّة لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم، وثبت في صلاة الصبح وغيرها يدعو للمستضعفين من المؤمنين أن ينجيهم الله من عدوهم، ولم يداوم على ذلك، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده، فخير ( للإمام ) أن يقتصر على القنوت في النوازل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي مالك الأشجعي قال : قلت لأبي : يا أبت قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر ؟ فقال : (أي بنيّ مُحدَث) رواه الخمسة إلا أبا داود .
( وصححه الألباني في الإرواء 435) ، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
//قوله مُحدَث في الحديث // (( يدل على أنه ليس معروفاً في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين في غير النوازل؛ ولهذا قال هذا الصحابي الجليل: إنه محدث، يعني الاستمرار عليه والقنوت من دون أسباب ))
قال الإمام ابن باز رحمه الله في نص فتوى له (( القنوت في الصبح غير مشروع على وجه الدوام، بل هو غير مشروع فعلى أقل الأحول أن يكون مكروهاً، وظاهر النصوص أنه بدعة ))
الخلاصة : القنوت في صلاة الفجر بدون نازلة والمداومة على ذلك مخالف للسُنة ويصل للمكروه .
________________
المصادر :
- http://www.ahlalhdeeth.com
- http://fiqh.islammessage.com
- http://www.alalbany.me
- http://www.binbaz.org.sa/noor/6187
- https://ar.islamway.net/fatwa/16612/
- http://fatwa.islamweb.net/fatwa/
- ( كشاف القناع 1/421 )
- كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد
- بتصرف من طرح للـدكتور . يوسف بن عبد الله الأحمد